الاثنين، 21 سبتمبر 2015

هل ستُستبدل عبارة "سَمْ طال عمرك" بعبارة "أنت مُخطئ"؟

سواء كنت تسير في طرقات المملكة العربية السعودية، أو كنت تشاهد التلفاز أو تستمع إلى الإذاعات المحلية، لابد من أن تمر عليك عبارة "شارك في صنع القرار" في إطار حث الناس على ضرورة المشاركة في الانتخابات البلدية المزمع إجراؤها في ديسمبر من العالم الجاري.
ولكثرة الترويج الحكومي لهذه الانتخابات وترديده عبارة: "شارك في صنع القرار" أصبح يُخيل للناس أنها حدث عظيم في تاريخ المملكة السياسي، وأن صلاحيتها واسعة تصل إلى إقالة الوزراء وسحب الثقة عن الحكومات ويرتجف منها هوامير الفساد قبل تابعيهم، وهي في حقيقتها أبعد ما تكون عن ذلك.
الكثير من المواطنين حين سُمِحَ لهم بالمشاركة في الانتخاب أعطوها أكبر من حجمها، لأن حجم الوعي السياسي والشعبي في المملكة  قليل جدًا، فالانتخابات في دول الخليج عمومًا - والسعودية خصوصًا - كمفهوم أكثر غموضًا من ناحية الممارسة والتطبيق، لأنها لم تعرف النظام الانتخابي المباشر إلا مؤخرًا، حيث كانت أول انتخابات شهدتها البلاد هي الانتخابات البلدية عام 2005م، وهم لا يعلمون أننا عالميًا نُعتبر في ذيل القائمة "ديموقراطيًا".
الحكومة من خلال هذه الانتخابات، تريد إيصال رسالة للعالم مفادها أن المواطنين كانت لهم مشاركة في صنع القرار وصياغة مستقبلهم ومستقبل أجيالهم، لا بل أن المرأة تشارك فيها كناخبة ومرشّحة لأول مرة، أي أن هناك تحوّل جذري وكبير في مسار الإصلاح وأن البلاد تحث الخطى وتسابق الزمن لتلبية حقوق مواطنيها السياسية، إلا أن ما يتطلع إليه المواطن أكبر بكثير من السماح لهم بالمشاركة في انتخابات بلدية.
فالإصلاح الحقيقي الذي ينتظره الشعب، ليس مشاركة في انتخاب مجالس صلاحياتها رقابية دون أدوات تنفيذ، وثلث أعضائها معينون من الدولة، الإصلاح المنشود هو الانتقال السلمي لملكية دستورية يُفصل فيها بين السلطات الثلاث: التشريعية والقضائية والتنفيذية، بحيث تُدار بشكل مستقل ونزيه، لأن هذه الانتخابات مُفَرّغة من مضمونها الرئيسي وهو "قدرة ممثلي الشعب على المشاركة في إدارة الدولة ومراقبة سلطات الحكم".
الإصلاح الحقيقي الذي ينتظره الشعب هو القبول بإنشاء أحزاب ومؤسسات مجتمع مدني تكون دافعة للحراك السياسي، وحين نرى الدولة قد كفلت حق المنافسة الشريفة بين جميع القوى السياسية ضمن إطار التنافس على رئاسة السلطة التنفيذية (الحكومة)، عبر انتخابات برلمانية حرّة؛ حينها يمكننا القول بأن طفرة سياسية مهمة حدثت في المملكة.
الإصلاح الذي ننتظره هو إطلاق سراح معتقلي الرأي والناشطين الذين أُودِعوا في غياهب السجون لمجرد مطالبتهم بأن يكون للشعب دور في صناعة مستقبله، من خلال مشاركتهم في صنع القرار عبر السماح لهم بانتخاب من يُمثّلهم في البرلمان "المُنتَظَر"، فمن المستحيل أن يستمر مسلسل تهجين الناس، إذ لا بد من يومٍ تُستبدل فيه عبارة "سَم طال عمرك" بعبارة "هذا صحيح .. وهذا خطأ"
إذن ما المطلوب منا كمواطنين؟ المطلوب منّا هو التحرك بفعالية أكبر للمطالبة بحقنا الأصيل فى المشاركة بالسلطة وفي صناعة القرارات التي تُحدد مصيرنا ومصير من سيأتي بعدنا من الأجيال.
وإذا بقينا على وضعنا السياسي الحالي فمن الصعب أن نتقدم ونواكب العالم، فالحقيقة التي لا جدال فيها: إذا أرادت المملكة أن يكون لها دور ريادي في عالمها العربي والإسلامي والدولي، فيجب أن تُفعِّل المشاركة السياسية من خلال مؤسسات منتخبة ولها صلاحياتها الدستورية والرقابية الكاملة وليست مؤسسات صورية كالمجالس البلدية ومجلس الشورى.
ختامًا: مشاركة المثقف في الترويج لمصطلح "المشاركة في صنع القرار" تعتبر خداع للمواطنين البسطاء، لأنه يعلم جيدًا أن الانتخابات البلدية ليست ذات قيمة حقيقية، فهي على صعيد تعزيز مشاركة المواطنين في صنع القرار: "كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق