الجمعة، 6 مايو 2016

خصامنا لأجل الوطن

يظن البعض أن الجرأة والحدّة في نقد الأخطاء ومحاربة الفساد “وقاحة”، لا بل تصل في كثيرٍ من الأحيان إلى مستوى “الخيانة” و”الخروج على ولي الأمر” وهذا غير صحيح إطلاقاً، بل إن قمة “الوقاحة” أن نتعامى عن الأخطاء والفساد والتقصير لأن كلفة بقائها تتضاعف كلما مرّ عليها الوقت
مصيبتنا أصبحت – كما ذكرت مسبقاً- لا تقتصر على المسؤولين الذين لا يتقبّلون النقد، بل تتعداهم إلى “جوقة المطبلين” الذين يملؤون مواقع التواصل الإجتماعي سيما تويتر، فتراهم يلاحقون كل منتقدٍ للأخطاء وداعٍ للإصلاح، ليرمونه بشتى التهم، وهذا الأمر زاد الطين بلة، فبسببهم بدأ الكثيرون يفتقدون يتحاشون الحديث عن الفساد أو الدعوة لمحاربة الفاسدين، لأنهم أصبحوا مهددين بالتصنيف في خانة (العملاء والحاقدين والمتربصين والمعادين.. إلى آخرها من الاتهامات) ، مما ساعد الفاسد على الإستمرار في إفساده والمقصر في تقصيره.
فما أن تنتقد فساداً أو تقصيراً حتى ينبري لك هؤلاء ويتهمونك مرةً داعشي وأخرى صفوي وإخواني وماسوني ..إلخ، فضلاً عن أنهم يحاولون خداع الناس بالقول: (إحمدوا ربكم أننا أفضل حالاً من اليمن وسوريا والعراق)، وهذه بحد ذاتها مصيبة كبيرة، لأننا أصبحنا نقارن أنفسنا بمن هم أسوأ وأدنى منا في محاولة لشرعنة الفساد، لماذا لا نقارن أنفسنا بشعوب نعتبرها في كواكب أخرى كاليابان وألمانيا والسويد وغيرها ؟!
يجب أن لا نلتفت لهؤلاء ولا نسمع لهم، لأنهم يريدون أن يوصلونا إلى مرحلة بدل أن نُحارب الفساد؛ نديره أي “إدارة الفساد” رغم أن هناك من يرى أننا وصلنا إلى تلك المرحلة، فالفساد اليوم تديره شبكة كبيرة متنفّذة تجرف كل من يحاول الوقوف بوجهها، كما نرى اليوم.
وأيضاً؛ التعويل على الوازع الديني في محاربة الفساد لا يجدي نفعاً، والاتكاء على ضمير الإنسان فقط، أيضاً لا يكفي، فما نشاهده هو أن السرقات تزداد، والنهب يتّسع، والأخطاء والتقصير يكثُران، والمحاسبة غائبة.
لذلك يجب أن لا نكتفي بالاتكاء على “هيئة نزاهة”، بل يجب أن يأخذ كل مواطن دوره في الدفاع عن الوطن ومقدراته، لنتواصى بعدم التستر على الفاسدين بحجة إظهار الصورة الناصعة، فالعدو الخارجي يكشّر عن أنيابه ويترقّب نقطة ضعف، والعدو الداخلي ممثَّلا بالفاسدين، يرون البلد “غنيمة” ويحاولون تقاسمها، والحقيقة أن فساد هؤلاء هو الذي يمهّد السبيل للعدو الخارجي كي ينال من الوطن.
ختاماً؛ حربنا ضد الفساد والفاسدين لا تعني أننا نحارب الوطن، ودعوتنا ومطالبتنا بهدم مؤسسة الفساد لا تعني أننا نريد هدم الوطن، فخصامنا من أجل الوطن لا مع الوطن.

هناك تعليق واحد: