الأحد، 1 نوفمبر 2015

تبي علاج؟ حِب ايدي !

وأنت تتصفّح تويتر وغيرها من مواقع التواصل الإجتماعي؛ لا يمرّ يوم إلا ويقع ناظرك على  مناشدات كثيرة لعوائل تستنجد الأمراء والوزراء وتتوسّلهم بأن يوفروا لذويهم المريض سرير او علاج أو طائرة إخلاء؛ حتى أصبح أكبر هَم يمكن أن يعانيه أي فرد من الطبقة الفقيرة هو عندما يمرض هو أو أحد أفراد أقربائه.


فرغم أن حق المواطن في العلاج مكفول، وفق ما تنص عليه المادة الحادية والثلاثون من النظام الأساسي للحكم: “تُعنى الدولة بالصحة العامة، وتوفر الرعاية الصحية لكل مواطن” إلا أن معاناته تبدأ ما أن يطرق المرض بابه، وتبدأ معها رحلة التنقل بين المستشفيات للبحث عن طبيب أو يداوي أو سرير فارغ ولا يجد، حتى يجد نفسه مضطراً لدخول مرحلة يراق فيها ماء وجهه، عبر التوسل بمعارفه وأصدقائه ليجدوا له “واسطة” توفر له الدواء والعلاج.. وما أكثر هؤلاء؟!



فالقصص التي تمر علينا لأمثال هؤلاء كثيرة وتُبكي الحجر، وما يزيد الجرح إيلاماً هو أن وضع وزارة الصحة سيئ جدا جدا جدا لدرجة لا تُطاق، فالأحوال في أروقتها غاية في التعقيد، والمُشكلات بدل أن تُحَل تكْبُر، والمُعاناة تزداد وتستفحل، والخدمات – إنْ وُجدت – فإنّها لا تُلبّي الحد الأدنى مما يحتاجه المريض – ، وهذه المأساة موجودة بمرارة أكبر في المناطق الأقل نمواً.


والذي يحز في القلب، هو أن جميع الوزراء الذين تم اعفاؤهم خلال الفترة الماضية لم تتم محاسبتهم على تسبّبهم في تردي الواقع الصحي وانحداره من سيء إلى أسوأ، رغم حجم الميزانيات الخيالية التي وقعت بأيديهم، فآخرها بلغت 160  مليار ريال، وهو ما يشكل أكثر من 18 في المائة من موازنة الدولة، لكن ما نراه في الواقع:


  • أكثر من 60 ألف مواطن يطلبون العلاج خارج الحدود


  • 2400 خطأ طبي في مستشفياتنا العام الماضي فقط


  • عد الأسرّة تناقص في جدة من 2650 سريرا إلى 2410 أسرّة وفي عسير من 2000 سرير إلى 1950 وفي جازان من 1796 سريرا إلى 1765 وفي القريّات من 350 سريرا إلى 340 فقط


  • سكّان المناطق النائية يضطرون للسفر مئات الكيلومترات.. بحثاً عن طبيب متمّرس وعلاج جيّد


  • المواعيد في المستشفيات تمتدّ لأشهر، وربما تصل لسنة


  • المواطن الفقير لا يحصل على علاج أو سرير إلا بعد إراقة ماء وجهه في وسائل الاعلام.


هل هذه المشاكل تدلّ على أن ميزانيات الوزارة وقعت بأيدٍ أمينة؟ أو أنها صُرفت بشكل مدروس؟! – لا أعتقد ذلك مطلقاً.


ولأنّ المصائب لا تأتي فرادى، فإن البؤس ، الشقاء ، الفقر ، الحرمان ، القهر.. البطالة.. كل هذه الآلام والهموم الجاثمة على صدور المواطنين.. لم تكفِ المسؤولين فقاموا بحرمانهم من حقّهم في العلاج؛ ليقوم هؤلاء البسطاء باستجدائهم ثم يأتون –المسؤولين- بدور المنقذ والمخلّص لأولئك المساكين، ويأمروا بعلاجهم ونقلهم لإحدى المستشفيات لتنهال عليهم عبارات: (كفو ما قصرت.. الله لا يحرمنا منك.. الخ)، وما دَرَوا أن ظاهر هذه التصرّفات “حَسَنة” لكن في جوهرها؛ أكبر هجاء للدولة ووزاراتها وتأكيد على سوء الخدمات التي تُقدّمها.


وزيادةً على ذلك، فإن دَفْع المسؤولين للمواطن إلى استجدائهم للحصول على أبسط حقوقه، ليأتوا كالفرسان ويأمروا الوزير الفلاني أو المدير الفلاني بتلبية حقه وتوفير ما يحتاجه، فيه غبن وظلم كبير للوطن المواطن، فما ذنب الوطن في أن يستعرض البعض على حساب سمعته؟! وما ذنب المواطن في أن يراق ماء وجهه ؟!


إذن هناك من يفتعل الأسباب ليوصل المواطن إلى درجة أن يستجدي فيها حقوقه؟ وهناك من يعمل على تحويل المواطن إلى متسول ويبقيه في دائرة الحاجة للمزيد من الاستجداء، فما نراه اليوم وبكل أسف نقولها: المواطن يزداد فقراً و يستجدي أبسط حقوقه، والحكومة تمعن في سياسة غض الطرف عن المقصّرين وسرّاق المال العام، بالمقابل يستمر الفاسدون في نهبهم للقضاء على ما تبقّى من الوطن.


ختاماً نحن نعلم أنه من الصعب أن يختفي كل هذا الكم من الفساد والتقصير داخل أروقة وزارة الصحة بين يوم وليلة، ولكن أملنا كبير في أن تعصف بها عاصفة حزم دافعها “الإنسانية” لانتشال الواقع الصحي المتردي، ولإيقاف ظاهرة العلاج بالاستجداء حتى يحصل المواطن على حقّه “المكفول” دون شكر أو منّة من أحد، فمن غير المنطقي أن تبقى الوزارة على حالها دون ظهور أية بادرة لتصحيح مسارها وتطوير خدماتها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق