الأربعاء، 25 نوفمبر 2015

الأجهزة الرقابية.. اليد التي لا تبطش !!


أصبحت الأخبار التي تتعلّق بالفساد وسرقة المال العام والتعدي على أملاك الدولة سيما الأراضي، وجبة أساسية تقدّمها وسائل الإعلام لمشاهديها ومطالعيها كل يوم، لكن يبقى التساؤل الأهم: ثمّ ماذا بعد كشف هذه التعديات ؟



سمعنا عن ظلم الترشيح في وزارة الخدمة المدنية وكيف أن عوائل كاملة تم توظيفها في دوائر الدولة، وسمعنا عن هدر 41.9 مليار ريال، وسمعنا عن سرقة أراضي خمسة مشاريع في جدّة إحداها بمساحة مليون 1.5 مليون متر مربع مخصصة لمشاريع الإسكان الذي يعاني من ثلثي المجتمع منه، إلّا اننا لم نسمع بأن مسؤولاً تمّت إقالته أو إحالته للتحقيق أو رميه خلف القضبان.. عقاباً على فساده، وهذا مؤشر خطير يشير إلى أن عجلة الفساد لن تتوقّف لأن عصا العقاب لا توضع فيها.
فرغم وجود ثلاثة أجهزة رقابية رئيسية في الدولة، وهي ديوان المراقبة العامة، وهيئة الرقابة والتحقيق، الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد (نزاهة)، إلّا أنّ الحقيقة تقول: هذه الأجهزة أضعف بكثير من أن تضع حداً لآفة الفساد الحالي ومن مواجهة القادم الصعب، لأسباب تتعلّق بصلاحياتها، وبقوّة الفاسدين ونفوذهم الواسع.
فلا يخفى على أحد أن الفساد قوى وانتشر بشكل أصبح أي مسؤول يواجهه يجد حربا شرسة، وهؤلاء الفسدة يمتلكون وسائل من التشويه والإثارة وإلقاء التهم الجزافية، ويمتلكون قدرة على تحريك بعض المنابر الإعلامية من خلال تحكم رأس المال فى الإعلام، وهناك مجموعة ولوبي فساد في كل دائرة حكومية يساند بعضه البعض.
الذي أوصلنا لهذا الحال هو أن الأجهزة الرقابية؛ شبه مقصقصة الجنحان، فالصلاحيات الممنوحة لها جعلتها أشبه بـ "فك أسد منزوع الأسنان" فهي لا تتيح لها ردع الفاسدين بشكل يجعلهم يُفكّرون ألف مرة قبل أن يسرقوا ريالاً واحداً، أو يضعوا أيديهم على أراضي الدولة أو غيرها من أوجه الفساد.
والذي يزيد الوضع خطورةً هو أننا اليوم أمام متغيّرات صعبة تعصف باقتصادنا نتيجة انخفاض أسعار النفط بشكل انعكس سلباً على المواطنين، مما زاد الطين بلّه، لذا لا مناص من تفعيل دور أجهزة الرقابة الحكومية ومنحها الحصانة الإدارية، حتى لا تتحول مفردات المساءلة والشفافية إلى شعار يتغنى فيه المسؤول ولا يطبّقه، لأن استمرار الوضع على ما هو عليه، سيتسبب بفقدان الثقة المجتمعية في مصداقية المسوؤلين بإرساء أسس إدارة نزيهة تقضي على منابع الفساد الذي أصبح ليس فقط باباً للثراء غير المشروع لكنه أكثر من ذلك بكثير؛ كونه يعني حرمان الآخرين من حقوقهم على الدولة ويبقينا في دائرة الحاجة إلى المساعدات والارتهان للديون إلى ما لا نهاية.
كما أن التصدي للفساد لا يقف فقط عند حد اختلاسات وسرقات هنا وهناك، أو إساءة استغلال المنصب العام، بل يجب أن يتعداه إلى علانية وشفافية في الإحصاءات الصاردة عن المؤسسات الحكومية وإنهاء حالة تخبّطها وتضاربها مع بعضها، فالذي نلحظه هو أن العملية الرقابية، ما زالت مبعثرة بين أكثر من مؤسسة، مما يهيئ الفرصة لأزمات ومشكلات جديدة، تضاف إلى الأزمات الحالية التي زادت الفقراء فقراً، والأغنياء غنىً.

ختاماً: وجود هيئات رقابية منقوصة الصلاحيات لا تكفي لاتخاذ قرارات توقف نزيف أموالنا، وإدارات هذه الهيئات بحاجة ملحّة وضرورية إلى تطوير يتجاوز الجمل الرنانة التي نسمعها في حفلات الافتتاح والتكريم وتقارير النزاهة والشفافية ومسودات خطط التطوير، فما نريده كمواطنين: قواعد واضحة وعادلة وصارمة، وتقييم يستند إلى مؤشرات لا خطابات يتم حشوها بالمواعظ والنوايا والانطباعات.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق