الجمعة، 11 مارس 2016

نهدّه ونهد له حيله!

ما أصعب أن تشاهد منزلك الذي كافحت لسنوات طويلة قبل أن تتمكّن من تشييده، ليسترك وعائلتك، يهدم بساعات أمام عينيك وأنت لا تملك سوى أن تردد “حسبنا الله ونعم الوكيل”!
أمر محزن ومقلق للغاية جرى في اليومين الماضيين من هدم لمنازل قرية مقنعة بمكة المكرمة، خصوصاً ونحن نشاهد المآسي التي رافقت عمليات الهدم، فلا صوت يعلو فوق صوت الآليات التي تقوم بالهدم، وصوت بكاء الأطفال وعويل النساء.. فمنظر العوائل المشرّدة كان مأساوياً للغاية.. هذه أم هائمة على وجهها وتلك طفلة تبحث عن عائلتها، وذاك أبٌ يحبس دموعه وهو يردد “حسبنا الله ونعم الوكيل” على ضياع تعب السنين !

مهما كانت دوافع الإزالة، إلا أن ذلك لا يبرر أبداً تشريد المواطنين بهذه الطريقة وتركهم في العراء بدون توفير البديل لهم، كتوفير سكن مؤقت أو ما شابه يستر العوائل ويحفظ أبناءها من التشرّد والضياع، فهل كان ينتظر الذي أمر بهدمها؛ تدخّل المنظمات الإنسانية لتوفير ذلك ونحن مَن امتدّت يده بالخير لمختلف أصقاع العالم؟ عجباً !!
الأمر الآخر أن هذه المساكن مُشيَّدَة قبل سنوات طويلة فلماذا سمحت البلدية آنذاك بتشييدها ووفرت الخدمات فيها إنْ كانت تعتبرها منطقة “عشوائية”؟! أم أنها علمت بتكلفة البناء العالية فقالت “نتركهم يبنوا بيوتهم ويصرفوا عليها تعب عمرهم، بعد ذلك نهدمها”؛ بمعنى آخر “نهده ونهد حيله حتى لا يفكّر في السكن مطلقاً ” !
أنا هنا لستُ في في موضع الدفاع عن “المناطق العشوائية” لكن هل فكّرنا ولو للحظة واحدة وطرحنا هذا السؤال: (ما الذي ألجأ هؤلاء إلى تشييد مساكنهم في هذه المنطقة العشوائية)؟
لماذا دائماً نُلقي اللوم على هؤلاء البسطاء الذين أُجبروا على تشييد مساكنهم في المنطقة لستر أنفسهم وعوائلهم، ولا نلقي اللوم على وزارة الإسكان التي عجزت حل أزمة الإسكان؟ أو على تجار التراب الذين احتكروا الأراضي وجعلوا أسعارها تلامس السماء بارتفاعها دون رادع يردعهم؟! لماذا نسارع إلى هدم منازل تستر عوائل بمساحة تبلغ بضعة أمتار، ونترك شبوك أصحاب القصور تحاصر أراضٍ مساحتها ملايين الأمتار، فهل في هذا مثقال ذرّة من عدل؟!
ختاماً؛ من الموجع حقاً أن نرى اليد اليمنى لمسؤولينا تبني وتُعمّر مدن وقرى الشعوب الأخرى، ويدهم اليسرى تهدم منازل مواطنيهم !!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق