الاثنين، 4 أبريل 2016

التعتيم المأجور !

من غير المنطقي أن كل من ينتقد أو يبدي رأياً مخالفاً يتم اعتباره شخص حاقد على الوطن وخائن له، فالنقد ظاهرة صحية تساعد على رقي المجتمعات وبنائها بناءاً صحيحاً، وبما أن الفساد لدينا طغى وتجبر، والتقصير عمّ وانتشر، فلا يعتقد أي فاسد أنه سيسمع من المواطن “الثناء” ولا يظّن أي مقصّر أنه سيسمع “المدح والإطراء”

أليس من حقي أن أنتقد الفساد والمحسوبية والواسطة وغلاء الأسعار وارتفاع الفواتير وتعثر المشروعات ونهب المال العام وهدره؟ طالما أن هناك فساد وتقصير فمن حقي أن أنتقد بصوتٍ عالٍ وأن أطمح للأفضل، وما على المسؤول إلا أن يتّسع صدره للنقد ويعمل على تصحيح الخطأ، بالضبط كما يتّسع صدره للثناء والتطبيل.
قد يرى البعض أن الجرأة في نقد الأخطاء والقوة في الطرح “وقاحة”، وهذا غير صحيح إطلاقاً، بل إن قمة “الوقاحة” أن تتغاضى عن هذه الأخطاء التي تتراكم يوماً بعد آخر وتتضاعف كلفة بقائها أكثر فأكثر، ثم إن جرأة النقد وقوة الطرح لم تأتِ من فراغ، وإنما هي انعكاس لما نعيشه من واقع متردٍ للغاية ويسير للخلف بخطى ثابتة.
مصيبتنا لا تقتصر على المسؤولين الذين لا يتقبلون النقد، بل تتعداهم إلى “جوقة المطبلين” الذين يملؤون مواقع التواصل الإجتماعي سيما تويتر، فتراهم يلاحقون كل منتقدٍ للأخطاء وداعٍ للإصلاح، ليرمونه بشتى التهم؛ تبدأ بالتخوين إلى إثارة الفتنة وأحياناً تنتهي بالطرد من رحمة الله، وهذا الأمر زاد الطين بلة، فبسببهم بدأ الكثيرون يفتقدون الشجاعة على ذكر الأخطاء وانتقاد مرتكبيها، يومًا بعد يوم لأنهم أصبحوا مهددين بالتصنيف في أي وقت، مما ساعد الفاسد على الإستمرار في إفساده والمقصر في تقصيره.
نعم؛ نحمد الله على نعمة الأمن والأمان، وحالنا قد يكون أفضل من حال بلدانٍ أخرى، لكن هذا ليس مبرراً للصمت عن الفساد والتقصير، وليس مبرراً أيضاً أن نغض الطرف عن الفاسدين الذين ينهشون جسد الوطن ويهدمون أركان مؤسساته جهاراً نهاراً وينهبون مقدراته ظلماً وعدوانا، بل لا بد أن نأخذ على أيديهم، ونمنعهم من فسادهم، لئلا يعمّنا الله جميعاً بالعذاب، كما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إنّ الناسَ إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه، أوشك أن يعمّهم الله بعقابٍ منه”.
ختاماً؛ مثلما أن الوطن لا يستحق “النقد المأجور”، هو كذلك؛ لا يستحق التعتيم المأجور على الفساد والفاسدين، فالأقلام الهدّامة التي وتحاول أن ترسم صورة براقة مزيفة تخالف الواقع المرير الذي نعيشه، هي أسوأ بكثير من “النقد المأجور”.

هناك تعليقان (2):